بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة السيد أحمد عز الدين الملقب بالصياد
و منهم السيد الجليل , و العلم الطويل , قرة عين الأولياء , و إمام أكابر الأصفياء , عز الملة و الطريقة و الحق و الحقيقة , الغوث الجامع القطب الجواد , أبو القاسم , المعروف (( بأبي علي )) , السيد أحمد الصياد ( رضي الله عنه !) .
قال الإمام الفاروثي في ((النفحة المسكية )) . السيد أبو القاسم , عز الدين , أحمد الكبير , و يلقب ((بالصياد )) ,هاجر من العراق إلى
الحجاز , ثم إلى اليمن و مصر , و تزوج فيها من آل الملك الأفضل , و أعقب بها السيد عليا , و تركه عند أخواله , و هاجر إلى الشام , كل ذلك خيفة الشهرة , و لكيلا يشتغل بالخلق عن الخالق .
إلى أن قال .. و قد اشتهر أمر السيد أحمد عز الدين أبي القاسم الصياد , و يقال له في الشام ..أبو علي , و في اليمن . أبو الخير , و قد حمله جده بيده و عظم شأنه و بشر به , و أثنى عليه ,و قال فيه .. ستكون له دولة عظيمة , و تزوره الأسود .انتهى
و قال في (( جلاء الصدى )) . إن جده ( رضي الله عنه !) أجلسه على ركبته في زمان طفولته و قبله , ولم يكن ذلك يعهد منه لأحد , و قال ـ رضي الله تعالى عنه ! ـ . يكون له دولة عظيمة , و شأن كبير و شهرة , و بعدي تزوره الأسود التي في هذه البقعة . 1 هـ
ثم لما اشتهر شأن السيد أحمد الصياد (رضي الله عنه !) و عظم أمره , و علا صيته , و كبر مقامه ,و خفقت في الخافقين أعلامه , و بلغ عمره ثمانية و أربعين سنة , ففي تلك السنة خرج (رضي الله عنه !) مهاجرا من العراق إلى زيارة جده سيد الأنام (عليه أفضل الصلاة و السلام ), و في سنة خروجه ( رضي الله عنه !) توفي الخليفة أبو العباس أحمد الناصر لدين الله , و تلك سنة الاثنين و العشرين و الست مئة , فزار النبي المعظم (ص) , ثم حج و اعتمر , و جاور بمدينة جدة ( عليه الصلاة و السلام ) تسع سنين , و ظهرت على يديه الكرامات , و بنى رباطا في المدينة المنورة , بالقرب من ثقيفة الرصاص, معروفا (( برباط الرفاعي )) , و أخذ عنه الطريقة ابن نميلة الحسيني , حاكم المدينة (على ساكنها أفضل الصلاة و السلام ) , و الإمام عبد الكريم محمد الرافعي القزويني ,
صاحب ((الشرح الكبير على الوجيز )) , و الشيخ علم الدين علي بن محمد السنجاوي , صاحب ((شرح الشاطبية ))و (( المفضل في شرح المفصل )) , و غيرهما من الكتب في كل علم , و الشيخ العارف بالله العالم العلامة تاج الدين الأبيدري , و غيرهم (رضي الله عنهم !) .
و تلمذ له أناس لا يحصى عددهم , فخاف على نفسه من آفة الشهرة والاشتغال بالخلق عن الخالق , فهاجر أيضا بعد الإشارة الباطنية بنشر طريقته العلية إلى اليمن , و أخذ عنه جماعة كثيرة ينتهي إليهم الشيخ أبو بكر العدني , صاحب كتاب ((النجم الساعي )) , و الشيخ أبو شكيل الأنصاري , و الشريف محمد العلوي , و الشيخ أبو بكر الضجاعي , و غيرهم , و بنى فيها الزوايا الكثيرة , و خاف على نفسه من آفة الاشتغال بالخلق , فهاجر منها إلى مصر , بعد أن مكث في اليمن سبع سنين على الصحيح , فأقام بمصر في المسجد الحسيني ، و كانت سنة ست مئة و ثمانية و ثلاثين , فأقبل عليه الناس , و له العلماء و الشيوخ و أكابر الرجال و الأشراف , و حضر مجلسه و حلقة ذكره جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب (رحمه الله ) ,و انتسب إليه خلق كثيرون , و بنى له فيها رباطا مباركا في محلة السباع ,و تزوج بمصر , و هاجر منها بعد أن أقام بها سنتين , لا زيادة , و ترك (قدس سره ) زوجته حاملة , فولدت له سيدي عليا , المعروف (( بأبي الشباك )) في تلك السنة , و توفيت بعد ولادته , و بقي (رضي الله عنه ! ) في بيت أخواله آل الملك الأفضل , و بقي إلى أن بلغ حد الرجال و زهد و تصوف , و بنى له الرباط المشهور المدفون فيه الآن بمحلة سوق السلاح , بالقرب من الرملية , و هو معروف بمصر , و يزار فيها إلى الآن.
ثم إن والده صاحب الترجمة مولانا السيد أحمد الصياد ـ رضي الله عنه ! ـ نزل بتلك السنة الشام , و هي السنة التي توفي فيها الخليفة أبو جعفر المنصور , الملك العادل المشهور , فأقام بها قليلا , رحل منها ـ رضي الله عنه!ـ إلى حمص , فأقام فيها ( رضي الله عنه !) ثلاث سنين , و بنى فيها رباطا , و أخذ عنه رجال أعاظم قدم عليهم بحمص , الشيخ جمال الدين بن محمد الأمير ,و أبقاه بعده شيخ الرباط بحمص , و تتلمذ له ـ رضي الله عنه !ـ خلق لا يحصى عددهم , و هاجر منها إلى متكين , قرية من إعمال معرة النعمان , من أعمال حلب , في سنة ست مئة و أربعين , و كان إذ ذاك في القرية المذكورة من أهلها الشيخ الصالح الصوفي الزاهد الشيخ عبد الرحمن , و في بيته أته الصالحة خضراء أم الخير , و كانت في غاية الجمال ,إلا أنها أقعدت من أربع سنين , ففي تلك الليلة رأت في منامها رجلا يقول . عليك بهذا .و أشار لها إلى رجل أسمر اللون , حسن المنظر , أسود اللحية , طويل القامة , خفيف الوجود , وسيع الجبهة , ثم قال لها . هذا صاحب الوقت , تمسكي بحبل ولايته , و يعافيك الله .
فلما أصبحت أخبرت أخاها الشيخ عبد الرحمن بذلك و قالت . بالله عليك تفقد قريتنا عل أن يقدم عليها اليوم أحد أهل الوقت ؛ فإن هذه الإشارة صادقة فقام الشيخ عبد الرحمن , و تفقد القرية , فرأى الشيخ الأجل و القطب الأكمل , سيدنا السيد أحمد الصياد ( قدس سره !) و معه ابن أخيه القطب الجليل الشيخ شرف الدين أبو بكر , نجل مولانا الشيخ عبد المحسن أبي الحسن بن عبد الرحيم ( رضي الله عنهما !) , فدعاه و ابن أخيه إلى بيته , و ذكر له رؤيا أخته , و طلب منه أن يقرأ عليهما ما تيسر , فطلب منه أن يعقد له عليها , فأجاب فعقد له فدخل عليها (رضي الله عنه !) و أخذ بيدها , و قال لها قومي بإذن الله . فقامت في الحال , و تزوج بها ( رضي الله عنه !) و قال بعد ذلك لابن أخيه . يا شرف الدين طاب المتكأ في متكين ,يشير بها إلى طول المكث في القرية المذكورة , و في الحقيقة أقام بها , و بنى فيها الرباط الكبير المشهور , المدفون فيه الآن , و كثرت إخوانه و عظم شأنه , و قصدته الرجال من الشام و العراق , و أظهر الله على يديه خوارق العادات , و انقطع عن الخلق , وأعرض عما في أيدي الناس , و عمت بركته , و عظمت حالته , و كان إذا حل بالناس قحط و جدب استسقوا به فيسقون ببركته , و قد مر على أرض مزروعة كاد زرعها أن يتلف من عدم المطر , فنزل عن دابته و مشى بين الزرع و بكى
و خرج من الزرع فما خرج إلا و السماء هطلت بالمطر , و بقيت على ذلك أياما , حتى استغاث الناس من المطر , فدعا الله فانكشف المطر و طلعت الشمس .
و نقل مثلها عن أبيه القطب الكريم , , مولانا السيد عبد الرحيم ( رضي الله عنه ! ) . قال الشيخ شرف الدين أبو بكر بن عبد المحسن أبي الحسن الرفاعي . كنا مع السيد أحمد الصياد ( قدس سره !) حين سافر ( إلى ) الحجاز , فمررنا في طريقنا من هيت و بأرض خالية يقال لها . حين سافر ( إلى ) الحجاز , فمررنا في طريقنا من هيت و بأرض خالية يقال لها . الجرف , و قد أضرنا العطش , حتى كادت القافلة أن تهلك , فتفقدنا الماء فلم نجد أثرا للماء , فجاء كل من ( في ) القافلة و بكى أمام السيد أحمد فتواجد و ضرب بعصاه الأرض فنبع ماء غلظ الأصبع من محل ضرب العصى , فشربت القافلة و الدواب , و مشينا على أحسن حال , ثم رجعت بعد أن مشت القافلة فلم أر الماء .
فقلت يا سيدي غاب الماء , ليت لو بقي للناس ! فقال . شربت و شرب الناس من ماء العناية , و الله تعالى رحيم رؤوف بعباده , فدع الخلق إلى الخالق . ثم قال شرف الدين ( قدس سره !) . و كنا كلما مررنا على نهر ماء استقبله السمك من النهر إلى الشاطئ , و ازدحم على قدميه ( رضي الله عنه ) , و كذلك الدواب و الهوام و الغزلان في البر الأقفر , حتى إن الحيوانات نراها تقف له على حافتي الطريق , كالرجال المذعنة , تزدحم على شم قدميه الشريفين , و قال بعض تلامذته . و وقع في زرع أهالي متكين نار عظيمة في يوم كثير الهواء , و شديد الريح , فالتجأ الناس إليه ( قدس سره !) فخرج من باب زاويته و اتجه إلى محل النار و قال . لا إله إلا الله . فما تم كلامه إلا و النار خمدت , و لم يبق لها أثر , و مات أحد إخوانه فجأة , فجاءت إله أم الميت , و هو ساجد في صلاة الضحى , فتأخر في سجوده , فقالت . و حقك لو بقيت إلى يوم القيامة ساجدا لما تركتك إلا بولدي . فرفع رأسه الشريف باكيا , و إذا بالمريد و قد قام حيا , فسجد شكرا لله على نعمته التي أنعمها عليه , و ذكر المناوي أنه سجد سجدة واحدة فامتد سجوده سنة كاملة , ما رفع رأسه حتى نبت العشب على ظهره , ثم أفاق من غيبته و ذهوله و رفع رأسه ( رضي الله عنه !) و اتفق فقراء هذه الطريقة على أن السيد أحمد الصياد ( قدس سره ! ) لم يرفع طرفه إلى السماء قط
حياء من الله .
و كان كثير الحياء و الخشوع , كثير البكاء , قليل الكلام , أجازه جده القطب الكبير الرفاعي حال موته ( رضي الله عنه !) و هو ابن أربع سنين , و سلك بعد الكمال على يد أخيه لأبيه أبي الحسن عبد المحسن ـ رضي الله عنه !ـ و تفقه و تلقى علم التفسير و الحديث من الشيخ عبد المنعم الواسطي , مفتي الجن و الأنس , و كان حسن الصوت في القراءة , و إذا قرئ القرآن لا يصبر السامعون عن البكاء و التواجد و الحال , ألف كتابا في الطريقة سماه (( الأنوار المحمدية في الوظائف الأحمدية )) و له شعر لطيف على لسان القوم , و أوراد شهيرة , و أحزاب كثيرة , منها حزبه الكبير المعروف ب (( حزب الجوهرة )) , و هو مجرب للفتوح , و لقضاء الحاجات , و على العدو كالسيف القاطع
* * *
له شعر يمدح جده الرفاعي رضي الله عنه !
و قال القطب الكبير السيد عز الدين احمد الصياد ـ رضي الله تعالى
عنه ؟ ـ مادحا جده الرفاعي , ذي الهمم العلية , و ساقها في كتابه ((الوظائف الأحمدية ))
أنكرت وجدك عشت من متعمد أو ينكر الآفاق ضوء الفرقد
فالدمعتان المقلتــــان أســــالتا عينهمــــا عينيــة لم تجحد
أوصيك هتكا للغرام فســــنة ال عشاق هتك الوجد رغم مهدد
أو ما رأيت الورد شــــب بعرفة متهتكا في شكل وجنة أغيد
و شفت البنفسج مدباع تشــــبه بعذاره ما خاف من قطع اليد
و الميل غلغل و السيوف تنوشه بالهدب مستترا برشــة إثمد
و الغصن شــــاكل خصره متاودا شــــتان بين مقــــلد و مقــلد
فاســــلك طريق العاشقين مشببا بحبيب قلبــــك معلنا بالمقصد
ما الكتــــم إلا إن أردت تمكنــــا فيما انتهجت بمقلـة لم ترقـــد
و طويت نشرك عن مريض فؤادك القلق الكليم و عن وفود العود
و زويت سـرك عن ســريرة آهك السـاري بفدفد صدرك المتنهد
و كأن كونك لــــم يكن و كـــــان أمك لم تلدك و إنها لم تولــــد
متجردا من طور نفســــك سـالكا ســــنن الرفاعي الإمام الأوحد
شيخ الطريقة و الحقيقة و الهدى و العلم و النهج القويم الأسـعد
سامى بسؤدده السماك ومثله يســــمو بنسبته منار الســؤدد
في كل لفــــظ من حقائق علمــــه حكم مجلجلــــة ببحــــر مـــزبد
شــــرف تحط له النجوم تواضعا و مكانــــة علويــــة لم ترصــــد
قطب المدار و كوكب الإعصــــار و الغوث الذي يدعى لحل المعقد
المرتضى ابن المرتضى ابن المرتضى والســــيد ابن السيد ابن الســـيد
محيي شــــعار الصالحين و ناصر الشــــرع و شــــيخ كل موحــــد
(قــــدم تمكن بإتبــــاع المصطفــــى و خلائق شرفت بحال محمد (ص
لله مــــن نبــــوي طبـــــع ســــره يطوي الرشاقة في عروق الجلمد
والقطــــع يودعه التئاما ســــاكنا في كل شــــــفرة أحــــدب و مهند
هذا أبــــو العلمين فاذكر شــــأنه في كل جمــــع باللســــــان المفرد
أكثر و إن تحســــد لنعمة مدحــه أرأيت صاحب نعمة لم يحســـــد ؟
تأتيــــك رائحــــة العبــــا إن تلقه متلحفــــا يجلى بمرط أســـــــود
كالبــــدر قنعه الدجى و شــــعاعه يبدي الضيــــاء لمغور و لمنجـد
أشــــــهدت قــــام لغيره لكمــــاله عز الملوك مع انكســــار الأعبــد
أوصــــاف كل العارفين به انطوت و صفاتــــه في كلهم لم توجــــد
نفــدت قوافي مادحيــــه بفضلــــه جــل الكريــــم و فيه ما لم ينفــــد
الأوليــــاء بكل فــــج في الــــورى أتبــــاع هـــذا الســــيد المتفــــرد
هــــو من رســــول الله أقربهم يدا بتواتــــر و دليلنــــا مــــد اليــــد
فالــــدين عنـد الله ديــــن محمــــد و طريقة التقوى طريقة أحمد
*****
وله قصيدةٌ عصماء حدد فيها بعض معالم التصوف وقد كتبت عند ضريحه وإليك بعض أبياتها
قم يانديمي فهذا الحب يســــقيني خمراً به طاب سكري قبل تكويني
لقد ســــقاني فأحيــــاني وحيرني فغبت مابين تمكيني وتلويني
لما حباني بهــــا صهباءَ صــافيةً عددت في القوم من زهر السلاطين
الجــد أوصـــا بها تحمى بخاتمها محجوبةٌ عن قليل العقل والدين
أنا الفتى أحمــــد الصياد فزت بها من بعد سحق عظامي في الهواوين
تسقى لعبـــد طريق الشرع مذهبه ولم يغب عن رسول الله في حين
قم يا أخ الصدق لا تكسل بخدمته وكن به ملكاً في زي مسكين
خــــلِ المعابد للأطراف تســكنها وإنهض بعزم اللذي سواك من طين
********
بحق كانت حياةُ ذلك الإمام حياةً إستثنائية جديرةً بالبحث والمطالعة والإكباء والتقدير فرضي الله عنه وطيب الله ثراه
السيد محمد الضريفي الرفاعي الحُسيني
التكية الضريفية الصيادية الرفاعية الحُسينية