الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعــــــــــــــد
* من الموبقات المهلكات ومن الظلم العظيم " البهتان " ، والبُهْتانُ : هو الافك والكذبُ ، أي معناه أَن يقول فـي انسان ما لـيس فـيه ، وهو الإفتراء ، وهو الباطل ، أي يفتري أحدهم على آخر كذباً وباطلاً ظلماً وزورا ، وقد حذَّر الله من ذلك مهدداً مرتكبيه بقوله تعالى { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } (الأحزاب:58)
وعقابه جاء على لسان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال " من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج " صحيح الجامع ،
وطينة الخبال هو كما بينه الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام في أحاديث عدة منها : إنه صديد أهل النار ، ومنها : إنه عصارة أهل النار ، ومنها : إنه عرق أهل النار ، أي هو مما لا شك فيه إنه عصارة ما يخلفه الجسد بعد حرقه والعياذ بالله ، وهذا المكان هو سجن في أسفل جهنم والعياذ بالله ، قياساً على هذا الحديث " يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال " صحيح الجامع. عافاني الله وإياكم منه ومن كل شيء يقربنا إلى النار .
*- من هذا المنطلق اخوتي في الله أحذر نفسي أولاً ثم أحذركم مما حذَّر منه محمد صلى الله عليه وسلم صحبه ، وهو إياكم ثم إياكم أن تطلقوا العنان لألسنتكم فتتركوها دون لجام تحصد يمنى ويسرى فترديكم في جهنم على وجوهكم فتكونوا من الخاسرين .
فقد جاء عن أبي هريرة قال قال عليه الصلاة والسلام " من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة " صحيح الترغيب ، أي وقاه الله شر لسانه وفرجه .
وقال أيضاً إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا . صحيح الجامع
وقال أيضاً لمعاذ " ألا أخبرك بملاك ذلك كله كف عليك هذا - وأشار إلى لسانه - قال يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به قال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم " صحيح الجامع
وجاء أيضاً " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار قال الفم والفرج وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال تقوى الله وحسن الخلق صحيح الترغيب .
وقال أيضاً " لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه "
*- فكيف بمن يطلق لسانه على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم أخص الناس وهن الصحابيات الكريمات زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين على الاطلاق من مؤمني الإنس والجن
ومن لم يقر أن عائشة كسائر زوجات النبي عليه الصلاة والسلام أنها أم له فهو كافر بالقرآن خارج من ملة الإسلام كما قال ابن عباس استناداً لقوله تعالى { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }
قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبّوا أحدا من أصحابي فان أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدركمد أحدهم ولا نصيفه ) رواه البخاري ومسلم
*- قال ابو بكر بن عياش : ما سبقهم ابو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ، ولكن بشيء وقر في قلبه . وهكذا سائر الصحابة حصل لهم بصحبتهم للرسول ، مؤمنين به مجاهدين معه ، ايمان ويقين لم يشركهم فيه من بعدهم . رواه البخاري ومسلم
وقال العلامة الشوكاني : ( فانظر الى هذه المزية العظيمة ، والخصيصة الكبيرة التي لم تبلغ من غيرهم انفاق مثل الجبل الكبير من الذهب نصف المد الذي ينفقه الواحد منهم ، فرضي الله عنهم وارضاهم .
*- وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم … الحديث ) رواه البخاري ومسلم
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من سب اصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين ) أنظر الصحيحة
قال الامام الآجري : ( ومن سبهم فقد سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن سب رسول الله استحق اللعنة من الله عز وجل ومن الملائكة ومن الناس اجمعين )
وقال ايضا : ( لقد خاب وخسر من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه خالف الله ورسوله ولحقته اللعنة من الله عز وجل ومن رسوله ومن الملائكة ومن جميع المؤمنين ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ، لا فريضة ولا تطوعا ، وهو ذليل في الدنيا ، وضيع القدر ، كثّر الله بهم القبور ، واخلى منهم الدور )
قال المناوي : ( من سب اصحابي ) أي شتمهم ( فعليه لعنة الله والملائكة والناس ) أي الطرد والبعد عن مواطن الأبرار ومنازل الأخيار والسب والدعاء من الخلق اجمعين )
*- وقال صلى الله عليه وسلم : ( النجوم أمنة للسماء فاذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد . وانا امنة لأصحابي فاذا ذهنت اتى اصحابي ما يوعدون واصحابي امنة لأمتي ، فاذا ذهب اصحابي اتى امتي ما يوعدون ) رواه مسلم
*- وقال صلى الله عليه وسلم ايضا : ( ياتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقال لهم : فيكم من راى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولون : نعم فيفتح لهم ، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم :
فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم ، فيفتح لهم ، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم هل فيكم من راى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون : نعم ، فبفتح لهم " رواه البخاري ومسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( استوصوا باصحابي خيرا ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم … ) .
وفي رواية : ( أحسنوا الى اصحابي ) ، وفي رواية : ( احفظوني في اصحابي ) ، وفي : ( رواية أكرموا أصحابي ) ، وفي اخرى : ( أوصيكم بأصحابي ) صحيح الترمذي .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني . والله لا تزالون بخير ما د ام فيكم من راى من رآني وصاحب من صاحبني ، والله لا تزالون بخير ما د ام فيكم من راى من راى من رآني وصاحب من صاحب من صاحبني ) رواه ابن ابي عاصم في السنة وابن ابي شيبة وحسن اسناده الحافظ في الفتح
وقال صلى الله عليه وسلم : ( اذا ذكر اصحابي فامسكوا ، واذ ا ذكر النجوم فأمسكوا واذا ذكر القدر فأمسكوا ) السلسلة الصحيحة .
ومعنى ( اذا ذكر اصحابي فأمسكوا ) قال ابو الحسن الأشعري في ( رسالته الى أهل الثغر ) ( قال اهل العلم : ومعنى ذلك لا تذكروهم الا بخير الذكر ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ان الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه ، فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وان سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وانا اكره مساءته ) رواه البخاري
ولا شك عند كل ذي عقل سليم وخلق كريم ودين قويم ان الصحابة هم اول من يتصف بالولاية اتصافا اوليا .
قال الشوكاني رحمه الله : ( اعلم ان الصحابة لا سيما أكابرهم الجامعين بين الجهاد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والعلم بما جاء به وأسعدهم الله سبحانه وتعالى بمشاهدة النبوة وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السراء والضراء ، وبذلهم انفسهم وأموالهم في الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى حتى صاروا خير القرون بالأحاديث الصحيحة . فهم خيرة الخيرة ،لأن هذه الأمة هي كما اكرمهم الله به بقوله : ( كنت خير أمة أخرجت للناس ) ، وكانا الشهداء على العباد كما في القرآن العظيم فهم خير العباد جميعا ، وخير الأمم سابقهم ولاحقهم ، واولهم وآخرهم وهؤلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم هم خير قرونهم ، وأفضل طوائفهم الى يوم القيامة .
فتقرر بهذا ان الصحابة رضي الله عنهم خير العالم بأسره من أوله لآخره ، لا يفضلهم أحد الا الأنبياء والملائكة ، ولهذا لم يعدل مثل أحد ذهبا مد أحدهم ، ولا نصيفه .
فاذا لم يكونوا رأس الأولياء ، وصفوة الأتقياء ، فليس لله أولياء ولا أتقياء ولا بررة ولا أصفياء قد نطق القرآن الكريم بان الله قد رضي عن أهل بيعة الشجرة وهم جمهور الصحابة اذ ذاك .
*** ماذا جاء عن عائشة رضي الله عنها في مقتل عثمان رضي الله عنه
1- أورد ابن كثير في البداية والنهاية الجزء السابع – ص 195- ما نصه " عن مسروق قال قالت عائشة حين قتل عثمان تركتموه كالثوب النقي من الدنس ثم قتلتموه وفي رواية ثم قربتموه ثم ذبحتموه كما يذبح الكبش فقال لها مسروق أنت كتبت إلى الناس تأمريهم أن يخرجوا إليه ؟ فقالت لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا قال الأعمش فكانوا يرون أنه كتب على لسانها وهذا إسناد صحيح إليها وفي هذا وأمثاله دلالة ظاهرة على أن هؤلاء الخوارج قبحهم الله زوروا كتبا على لسان الصحابة إلى الآفاق يحرضونهم على قتال عثمان كما قدمنا بيانه ولله الحمد والمنة " انظر كذلك العواصم من القواصم – وكذلك تاريخ خليفة بن خياط - .
*- وأورد ابن كثير أيضاً في البداية والنهاية ( 7/173 ) بعنوان " ذكر مجىء الاحزاب الى عثمان للمرة الثانية من مصر
ما نصه " تكاتب اهل مصر واهل الكوفة واهل البصرة وتراسلوا وزوروا كتباً على لسان الصحابة الذين بالمدينة وعلى لسان علي وطلحة والزبير يدعون الناس الى قتال عثمان ونصر الدين وانه اكبر الجهاد اليوم
*- وأورد الطبري في التاريخ الجزء الثاني –ص656 ما نصه " لما جاء قتلة عثمان إلى علي رضي الله عنه فقالوا " قم معنا إليه – أي إلى عثمان - قال والله لا أقوم معكم إلى أن قالوا فلم كتبت إلينا فقال والله ما كتبت إليكم كتابا قط قال فنظر بعضهم إلى بعض ثم قال بعضهم لبعض ألهذا تقاتلون أو لهذا تغضبون .
*- وأورد ابن كثير أيضاً في البداية والنهاية الجزء السادس ص- 206 ما نصه " عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان بين يديه يناجيه فلم أدرك من مقالته شيئا إلا قول عثمان " ظلما وعدوانا يا رسول الله " ؟ فما دريت ما هو حتى قتل عثمان فعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما عنى قتله قالت عائشة وما أحببت أن يصل إلى عثمان شيء إلا وصل إلي مثله غيره إن شاء الله علم أني لم أحب قتله ولو أحببت قتله لَقُتِلت " .
*- وأورد ابن كثير في البداية والنهاية ( 7 /231 ) قال " فقامت عائشة رضي الله عنها في الناس تخطبهم وتحثهم على القيام بطلب دم عثمان – بعد قتله - وذكرت ما افتات به – أي انفرد به - اولئك من قتله في بلد حرام وشهر حرام ولم يراقبوا جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سفكوا الدماء وأخذوا الأموال فاستجاب الناس لها وطاوعوها على ما تراه من الأمر بالمصلحة وقالوا لها حيثما ما سرت سرنا معك فقال قائل نذهب إلى الشام فقال بعضهم إن معاوية قد كفاكم أمرها ولو قدموها لغلبوا واجتمع الأمر كله لهم لأن أكابر الصحابة معهم وقال آخرون نذهب إلى المدينة فنطلب من علي أن يسلم إلينا قتلة عثمان فيقتلوا وقال آخرون بل نذهب إلى البصرة فنتقوى من هنالك بالخيل والرجال ونبدأ
بمن هناك من قتلة عثمان فاتفق الرأي على ذلك فصاروا في ثلاثة آلاف وأم المؤمنين عائشة تحمل في هودج على جمل اسمه عسكر معها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق ففارقنها هنالك وبكين للوداع وتباكى الناس وكان ذلك اليوم يسمى يوم النحيب وسار الناس قاصدين البصرة وكان الذي يصلي بالناس عن أمر عائشة ابن أختها عبد الله ابن الزبير ومروان بن الحكم يؤذن للناس في أوقات الصلوات وقد مروا في مسيرهم ليلا بماء يقال له الحوأب فنبحتهم كلاب عنده فلما سمعت ذلك عائشة قالت ما اسم هذا المكان قالوا الحوأب فضربت بإحدى يديها على الأخرى وقالت إنا لله وإنا إليه راجعون ما أظنني إلا راجعة قالوا ولم قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنسائه ليت شعري أيتكن التي تنبحها كلا ب الحوأب ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت ردوني ردوني أنا والله صاحبة ماء الحوأب
*- وروى الإمام أحمد عن قيس أنه قال " لما أقبلت عائشة يعني في مسيرها إلى وقعة الجمل وبلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب فقالت أي ماء هذا قالوا ماء الحوأب فقالت ما أظني إلا راجعة فقال بعض من كان معها – وعلى رأسهم طلحة والزبير - بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب
*- وذكر ابن كثير في البداية والنهاية ( 7 – 231 ) ما نصه " فلما اقتربت من البصرة كتبت إلى الأحنف بن قيس وغيره من رءوس الناس أنها قد قدمت فبعث عثمان بن حنيف عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي إليها ليعلما ما جاءت له فلما قدما عليها سلما عليها واستعلما منها ما جاءت له فذكرت لهما ما الذي جاءت له من القيام بطلب دم عثمان لأنه قتل مظلوما في شهر حرام وبلد حرام وتلت قوله تعالى {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }النساء114
فخرجا من عندها فجاءا إلى طلحة فقالا له ما أقدمك فقال الطلب بدم عثمان
*- إذن فكان أصل خروج عائشة رضي الله عنها لا للقتال وإنما لجمع الناس على رأي وقول واحد وهو المطالبة من علي رضي الله عنه إقامة حد القتل على قتلة عثمان .هذا ما أورده
*- وأورد ابن كثير في البداية والنهاية ( 7/ 238 ) ما نصه " لما وصلت عائشة رضي الله عنها فبعث علي رضي الله عنه القعقاع رسولا إلى طلحة والزبير بالبصرة يدعوهما إلى الألفة والجماعة ويعظم عليهما الفرقة والاختلاف فذهب القعقاع إلى البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين فقال أي أماه ما أقدمك هذا البلد فقالت أي بني الإصلاح بين الناس فسألها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضرا عندها فحضرا فقال القعقاع إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها فقالت إنما جئت للاصلاح بين الناس فقالا ونحن كذلك قال فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح وعلى أي شيء يكون فوالله لئن عرفناه لنصطلحن ولئن أنكرناه لا نصطلحن قالا قتلة عثمان فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن ، فقال القعقاع لهما " لو قتلتما قتلته من أهل البصرة قتلتم ستمائة رجل- هكذا كان عددهم لما حاصروا دار الخلافة - فغضب لهم ستة آلاف – أي حمية لابناء قبيلتهم- فاعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم وطلبتم حرقوص بن زهير – وهو من قتلة عثمان - فمنعه ستة آلاف فان تركتموهم وقعتم فيما تقولون وإن قاتلتموهم فأديلوا عليكم كان الذي
حذرتم وفرقتم من هذا الأمر أعظم مما أراكم تدفعون وتجمعون منه يعني أن الذي تريدونه من قتل قتلة عثمان مصلحة ولكنه يترتب عليه مفسدة هي أربى منها وكما أنكم عجزتم عن الأخذ بثأر عثمان من حرقوص بن زهير لقيام ستة آلاف في منعه ممن يريد قتله فعلي رضي الله عنه أُعذِر في تركه الآن قتل قتلة عثمان وإنما أخر قتل قتلة عثمان إلى أن يتمكن منهم فان الكلمة في جميع الأمصار مختلفة ثم أعلمهم أن خلقا من ربيعة ومضر قد اجتمعوا لحربهم بسبب هذا الأمر الذي وقع فقالت له عائشة أم المؤمنين فماذا تقول أنت قال أقول إن هذا الأمر الذي وقع دواؤه التسكين فإذا سكن اختلجوا فإن انتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة وإدراك الثأر وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر وائتنافه كانت علامة شر وذهاب هذا الملك فآثروا العافية ترزقوها وكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولا ولا تعرضونا للبلاء فتتعرضوا له فيصرعنا الله وإياكم وإيم الله إني لأقول قولي هذا وأدعوكم إليه وإني لخائف أن لا يتم حتى يأخذ الله حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها ونزل بها ما نزل فإن هذا الأمر الذي قد حدث أمر عظيم وليس كقتل الرجل الرجل ولا النفر الرجل ولا القبيلة القبيلة فقالوا قد أصبت وأحسنت فارجع فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح الأمر قال فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك وأشرف القوم على الصلح ، وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح ففرح هؤلاء وهؤلاء وقام علي في الناس خطيبا فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة وأن الله جمعهم بعد نبيه صلى الله عليه وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق ثم بعده على عمر بن الخطاب ثم علي عثمان ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الأمة أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم الله عليه بها وعلى الفضيلة التي من الله بها وأرادوا رد الإسلام والأشياء على أدبارها والله بالغ أمره ثم قال ألا إني مرتحل غدا فارتحلوا ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس فلما قال هذا اجتمع من رؤسهم جماعة كالأشتر النخعي وشريح بن أوفى وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء وسالم بن ثعلبة وغلاب بن الهيثم وغيرهم في ألفين وخمسمائة وليس فيهم صحابي ولله الحمد فقالوا ما هذا الرأي وعلي والله أعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان وأقرب إلى العمل بذلك وقد قال ما سمعتم غدا يجمع عليكم الناس وإنما يريد القوم كلهم أنتم فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم فقال الأشتر قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا وأما رأي علي فلم نعرفه إلى اليوم فإن كان قد اصطلح معهم فإنما اصطلحوا على دمائنا فإن كان الأمر هكذا ألحقنا عليا بعثمان فرضي القوم منا بالسكوت فقال ابن السوداء بئس ما رايت لو قتلناه قتلنا فأنا يا معشر قتلة عثمان في ألفين وخمسمائة وطلحة والزبير وأصحابهما في خمسة آلاف لا طاقة لكم بهم وهم إنما يريدونكم فقال غلاب بن الهيثم دعوهم وارجعوا بنا حتى نتعلق ببعض البلاد فنمتنع بها فقال ابن السوداء بئس ما قلت إذا والله كان يتخطفكم الناس ثم قال ابن السوداء قبحه الله يا قوم إن عيركم في خلطة الناس فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس ولا تدعوهم يجتمعون فمن أنتم معه لا يجد بدا من أي يمتنع ويشغل الله طلحة والزبير ومن معهما عما يحبون ويأتيهم ما يكرهون فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه وأصبح علي مرتحلا ومر بعبد القيس فساروا من معه حتى نزلوا بالزاوية وسار منها يريد البصرة وسار طلحة والزبير ومن معهما للقائه فاجتمعوا عند قصر عبيد الله بن زياد ونزل الناس كل في ناحية وقد سبق علي جيشه وهم يتلاحقون به فمكثوا ثلاثة أيام والرسل بينهم فكان ذلك للنصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين فأشار بعض الناس علي طلحة والزبير بانتهاز الفرصة من قتلة عثمان فقالا إن عليا أشار بتسكين هذا الأمر وقد بعثنا إليه بالمصالحة على ذلك وقام علي في الناس خطيبا فقام إليه الأعور بن نيار المنقري فسأله عن إقدامه على أهل البصرة فقال الأصلاح وإطفاء الثائرة ليجتمع الناس على الخير ويلتئم شمل
هذه الأمة قال فأن لم يجيبونا قال تركناهم ما تركونا قال فان لم يتركونا قال دفعناهم عن أنفسنا قال فهل لهم في هذا الأمر مثل الذي لنا قال نعم وقام إليه أبو سلام الدالاني فقال هل لهؤلاء القوم حجة فيما طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا الله في ذلك قال نعم قال فهل لك من حجة في تأخيرك ذلك قال نعم قال فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدا قال إني لأرجو أن لا يقتل منا ومنهم أحد نقى قلبه لله إلا أدخله الله الجنة وقال في خطبته أيها الناس أمسكوا عن هؤلاء القوم أيديكم
*- وقال الحافظ ابن حجر في الفتح في بيان قصة أصحاب الجمل ( 8/128 ) ومحصلها ان عثمان لما قتل وبويع علي الخلافة خرج طلحة والزبير الى مكة فوجدوا عائشة وكانت قد حجت فاجتمع رأيهم على التوجه الى البصرة يستنفرون الناس للطلب بدم عثمان فبلغ ذلك عليا رضي الله عنه فخرج اليهم فكانت وقعة الجمل ونسبت الى الجمل الذي كانت عائشة ركبته وهي في هودجها تدعو الناس للإصلاح ونقل أيضاعن ابن بطال عن المهلب ان مذهب ابي بكرة وهو صحابي جليل انه كان على رأي عائشة رضي الله عنها في طلب الاصلاح بين الناس ولم يكن قصدهم القتال ولكن لما انتشيت الحرب لم يكن لمن معها من بدون المقاتلة وقال أيضا ويدل ذلك ان أحدا لم ينقل ان عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة ولا دعوا الى احد منهم ليولوه الخلافة ولما انكرت هي ومن معها على علي منعه من قتله عثمان وترك الاقتصاص لامهم " وهذا ما كان لخروج عائشة رضي الله عنها من هدفها الاصلاح واخذ بدم عثمان من قتلته وتابع ابن حجر قوله وكان علي رضي الله عنه ينظر من أولياء عثمان ان يتحاكموا اليه فاذا ثبت على احد بعينه انه ممن قتل عثمان اقتص منه فاختلفوا بحسب ذلك وخشي القتلة وخافوا لو ان عائشة رضي الله عنها وعلي رضي الله عنه اصطلحوا على امر واحد وهو البحث عن القتلة ؟ والتحري عنهم ومعرفتهم لأدى ذلك الى قتلهم فحتى لا يكون ذلك الامر قام القتلة بإشعال فتيل الحرب ) فأنشبوا فتيل الحرب فكان ما كان
- انظر فتح الباري تفسير صحيح البخاري (13/56 ) وقال الألباني وجوابنا على ذلك ولا نشك إن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله ولذلك همت بالرجوع حيث علمت بتحقيق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم عند الحوأب – وهو عين ماء - ولكن الزبير رضي الله عنه أقنعها بترك الرجوع بقوله " عسى الله ان يصلح بك بين الناس " ولا نشك انه كان مخطئا في ذلك .
وتابع الألباني قوله ولا شك أن عائشة رضي الله عنها هي المخطئة وتبينت من خطئها انها ندمت على خروجها وذلك هو اللائق بفضلها وكما لها " وهذه بشهادة علي رضي الله عنه حيث قال " أطوع الناس بالناس عائشة " – أي عندها كمال الطاعة لله ورسوله ولولي الأمر - وذلك مما يدل على أن خطئها من الخطأ المغفور بل المأجور وقال أيضا وقد أظهرت عائشة رضي الله عنها الندم كما أخرجه ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب عن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال قالت عائشة رضي الله عنها لابن عمر يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري قال رأيت رجلا غلب عليك يعني ابن الزبير فقالت أما والله لو نهيتني ما خرجت " انتهى .
*- فخروج عائشة رضي الله عنها ومن معها اذن لم يكن خروجهم بقصد ولكن للاصلاح فهو بغير قصد والذي تسبب في ذلك خطة خبيثة خطط اليها قتلة عثمان كما أسلفنا ذكره فأوقعت القتال بين الطرفين فنشبت الحرب وغلب أصحاب علي رضي الله عنه فأمر علي مناديه وهذا من كرمه وأخلاقه لا تتبعوا مدبراً ولا تجهزوا جريحاً ولا تدخلوا دار أحد وارجع عائشة سالمة آمنة إلى بيت أهلها كيف لا
وهذا ما أوصاه به حبيبه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله لعلي " أنه سيكون نبيك وبيت عائشة أمراً " قال فأنا أشقاهم يا رسول الله ، قال " ولكن إذا كان ذلك فأردوها إلى مأمنها " رواه أحمد
******
فضل عائشة رضي الله عنها " عائشة رضي الله عنها التي نالت شرفا بتزويج الله لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيتك في المنام قبل أن أتزوجك مرتين رأيت الملك يحملك في سرقة من حرير فقلت له أكشف فكشف فإذا هي أنت فقلت أن يكون هنا من عند الله يمضه رواه البخاري ومسلم وهما أصح كتابين بعد القرآن والملك هو جبريل .
والشاهد لنا في هذا الحديث " ان يك هذا من عند الله يمضه " فهل أمضاه الله أم لا
احب زوجاته اليه حيث اجاب بهذا عليه الصلاة والسلام عندما سئل أي الناس احب اليك قال عائشة " رواه البخاري ومسلم
ولقوله صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا اسية امراة فرعون ومريم بنت عمران وان فضل عائشة عن النساء كفضل الشريد على باقي الطعام " رواه البخاري
عائشة رضي الله عنها هي الوحيدة من نسائه صلى الله عليه وسلم التي شرفها الله بنزول الوحي على الرسول في حجرتها لقوله عليه الصلاة السلام " يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فانه والله ما نزل علي الوحي وانا في لحاف امراة منكن غيرها " رواه البخاري .
*- عائشة رضي الله عنها هي الوحيدة من زوجاته صلى الله عليه وسلم التي خظيت برعايته عليه الصلاة والسلام وهو مريض حيث لم يمرض إلا في بيتها .
*- عائشة رضي الله عنها التي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجرها ودفن في حجرتها *- عائشة رضي الله عنها والتي هي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وذكر الحديث بلسان عمار بن ياسر بحضرة الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين حيث قال عن عائشة " والله إنها لزوجة بينكم في الدنيا والآخرة " رواه البخاري.
*-عائشة رضي الله عنها التي من اللله عليها بأنها أكثر النساء العالمين راوية الأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكثر القوم بعد أبي هريرة وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك رضي الله عنهم والذي قال في حقها أبو موسى الأشعري ما اختلفنا في شيء ( أي انه ما من امر فقهي يختلف عليه بين الصحابة إلا ودنا حلة عند عائشة رضي الله عنها
*- عائشة رضي الله عنها التي زكاها ابن عباس حبر هذه الأمة عندما دخل عليها وهي في فراش الموت قال لها مهونا عليها ابشري ما بينك وبين أن تلقي محمدا و الأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد كنت أحب نساء رسول الله إلى رسول الله ولم يكن رسول الله يحب إلا طيبا وسقطت قلادتك فاصبح رسول الله وأصبح الناس ليس معهم ماء فأنزل الله _ فتيمموا صعيدا طيبا ) فكان ذلك في سبيل الله وما أنزل الله لهذه الأمة من الرخصة وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات جاء به الروح الأمين فأصبح ليس لله مسجد من مساجد الله يذكر الله فيه إلا يثلى فيه أناء الليل وأطراف النهار فقالت يا ابن عباس إليك عني والذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسيا منسيا
رضي الله تعالى عن عئشة أم المؤمنين وسائر أمهات المؤمنين أجمعين