دعوة لكشف الغمة عن كاهل الأمة

الحمد لله رب العالمين
الحمد لله الذي أفادنا بتوفيقه إرشادا وأدبا
وأرسل فينا رسولا كريما نجيبا فكان المجتبى
عرض عليه الجبال ذهبا فأعرض عنها وأبى
وخصنا بشريعته القويمة وحبا
فآمنا وصدقنا به وله الفضلُ علينا وجبا
فنحمدُك اللهم حمدا أرغم به أنف من جحده وأبى
وأشهـــــد أن لا اله إلا الله شهادة تكون للنجاة سببا
وأشهـــــــــد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى
أشرف البرية حسبا وأطهرهم نسبا
صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الذين سادوا الخليقةِ عَجَمَاً وَعَرَبَا
صلاة دائمة بعدد الرمال والحصى وبعدد من أطاعه من خلق الله وبعدد من عصى
ورضى الله عن ساداتنا ذوى الفضل الجليل
أبى بكر وعمر وعثمان وعلى
وعن سائر اصحاب رسول الله أجمعين
وراضى اللهم عنا معهم برحمتك ياأرحم الراحمين
وأدخلنا الجنة بعد الرضا مع رسولك الكريم واكتبنا مع الشاهدين
{ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أََََََََََََََََنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }آل عمران53

أيها الأحبة في الله ....
فقد تابعت العديد من المقالات والتعليقات التي تدور بين شباب الأمة حول ما يدور في ساحتنا الإسلامية تلك الأيام وللأسف قد ساءني ما أقرأه من تعليقات لا ترقى إلى مستوى الحوار الإسلامي بين المسلمين بعضهم البعض فكلها مملوءة بالسباب والشتائم ومما يؤسف له كذلك أن يتزعم هذه الجلبة رجال زعموا أنهم دعاة وأنهم رجال دين ، الأمر الذي دعاني أن أكتب هذا الكلام لإيضاح حقائق غائبة اخبرنا بها المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم منذ ما يزيد على الأربعة عشر قرنا من الزمان عما يحدث الآن في زماننا الذي نعيشه ...

فنحن نعيش فتنة قاسية ظهرت بجلاء في تلك الأيام فيما يدور من حولنا مما تثيره تلك النبتة المعوجة من المنتسبين للإسلام فقد أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أبى إدريس الخولاني رضي الله تعالى أنه سمع حذيفة رضي الله تعالى يقول : (( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير وكنت اسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت : يا رسول الله : إنا كنا فى جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير شر ؟ قال : نعم فقلت : هل بعد ذلك من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، فقلت : يا رسول الله صفهم لنا ، قال : إنهم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، فقلت : يا رسول الله فما تأمرني إن أدركت ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فان لم يكن لهم إمام ؟ قال : فاعتزل الفرق كلها ولو تعُض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ))

إن ما يقوم به هؤلاء هي دعوة موجهة لهدم سلف الأمة وحصر السلف في أناس بعينهم فلا تدعوا لهم المجال لنشر دعواهم بالمراء والحوارات الفاشلة واحتكموا فيما ستقومون به إلى كتاب الله جل وعلا وسنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما كان سلف الأمة يفعلون ، قال رب العزة تبارك وتعالى وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التوبة:100 ، نعم لقد رضي الله تعالى عن الصحابة من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان واقتدى بهداهم ، وسار على طريقتهم ممن جاءوا بعدهم من سلف الأمة ، و قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما روى عن أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( يأتي على الناس زمانٌ فيغزُو فِئامٌ من النَّاس، فيقولون: هل فيكم مَن صاحبَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم. فيقولون: نعم. فيُفتَح لهم، ثم يأتي على الناسِ زمانٌ، فيَغزُو فِئَامٌ من الناسِ، فيُقال: هل فيكم مَن صاحَبَ أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فيقولون: نعم، فيُفتَح لهم، ثم يأتي على الناسِ زمانٌ فيغزو فئامٌ من الناس( أى جماعات ) ، فيُقال: هل فيكم من صاحَبَ مَن صَاحَبَ أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فيقولون: نعم، فيفُتح لهم )) متفق عليه.

وفي رواية لمسلم:
(( يأتي على النَّاسِ زمانٌ، يُبعَثُ منهم البَعْثُ فيقولون: انظروا هل تجدون فيكُم أحداً من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فيوجَدُ الرجُلُ، فيُفتَح لهم به، ثم يُبعثُ البعثُ الثاني، فيقولون: هل فيهم من رأى أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فيُفتَح لهم به، ثم يُبعَثُ البَعْثُ الثالث، فيُقال: انظُروا هل ترون فيهم مَن رأى من رأى أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ثم يكون البعثُ الرابعُ فيُقال: انظُرُوا هل تَرَونَ فيهم أحداً رأى مَن رأى أحداً رأى أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فيوجَدُ الرجلُ، فيُفتَحُ لهم به )) .
ومعنى قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ( فيُفتح لهم به) أي فيُفتح لهم ببركة وسبب وجود ذلك التابعي معهم، ودعائه لهم ، لما للتابعي من البعث الرابع الذي رأى مَن رأى أحداً رأى أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم من كرامة عند الله تعالى ثم من تبعه بعد ذلك
وروى مسلم عن أبي بُرْدَةَ، عن أبيه، قال: رفَعَ ـ يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ رأسَهُ إلى السَّماءِ، وكان كثيراً مِمَّا يَرفَعُ رأسَهُ إلى السماءِ. فقال: (( النجوم أَمَنَةٌ للسَّماءِ، فإذا ذهَبت النُّجُومُ أتى السَّماءَ ما تُوعَدُ، وأنا أَمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذَهَبتُ أنا أتى أصحابي ما يُوعَدون، وأصحابي أمَنَةٌ لأُمَّتي، فإذا ذهَبَ أصحابي أتى أُمَّتي ما يُوعَدون )).

.. وهذا المعنى المستفاد من الحديث أن موت العالم يترك فراغ في الإسلام لا يُسد، ومصيبة لا تُجبر؛ وذلك لما تتسبب وفاته فى فراغ عند الناس، وفتنة وفساد فيمن هم بعده ، وبخاصة إن لم يوجد من يخلفه في العلم، والعمل بكتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وله وسلم... فعن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( إن الله لا يقبض العلمَ انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلمَ بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناسُ رؤوساً جُهَّالاً، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأضَلُّوا )) حديث متفق عليه .
قال الإمام النووي فى معنى : ( فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يُوعدون " ؛قال : معناه من ظهور البدع، والحوادث في الدين، والفتن فيه، وطلوع قرن الشيطان .... وقد كان ، وهذا كله من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم ).

وفى معنى زوال العلم أيضا اخرج البخارى ومسلم عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا ، ولكن ينزعه منكم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون برأيهم فيضلون ويضلون )) .

فالعالِم عنصر أمنٍ في الوجود، وحيثما يحل ويُقيم .. ولكن ليس على طريقة دعاة الفضائيات وانما على المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الأجلاء ومن تبعهم من سلف الأمة ...
وروى أحمد والطبراني وابن ماجة والحاكم عن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قــال رسول الله صلـــى الله عليه وسلم :
(( سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة ، قالوا : وما الرويبضة ؟ قال : الرجــــل التافه يتكلم في أمر العامة )) وما أكثرهم في تلك الأيام
فهؤلاء ليسوا بعلماء إنهم لفرط جهلهم ينكرون السنة المطهرة وكثير منهم يطلب الاحتكام للقرآن دون السنة وقد أخبر عنهم المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم كما سبق القول وحذر منهم فقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الرحمن بن أبي عوف ، عن المقدام بن معد يكرب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (( ألا إنِّي أوُتِيتَ الكتاب ومِثْلَهُ مَعَهُ ، لا يُوشِكُ رجلٌ شبعان على أريكتهِ يقول : عليكم بهذا القرآن ؛ فما وجَدتُم فِيهِ مَنْ حَلالٍ فأحِلّوُه ومَا وجَدتُم فِيهِ مِنْ حَرَامٍٍ فَحَرِمُوه )) .

أحبتي في الله ...
إن سُنَة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمانة في أعناقنا علينا أن ندافع عنها بكل ما أوتينا من سبل الدفاع المشروعة ليستقيم الحال ويعود الأمر لأهله من العلماء الأجلاء فإذا ضيعنا أمانة الحفاظ على السنة المطهرة بترك الأمر لتلك النبتة المعوجة يتصرفون في أمور الدين كيفما شاءوا فما علينا سوى انتظار الساعة كما روى البخاري في صحيحه حيث قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : متى الساعة ؟ قال :
(( فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ، قال : كيف إضاعتها ؟ قال : إذا وسد الأمر إلى غيـــــر أهله فانتظر الساعة ))

لذلك أحبتي في الله أذكركم بوصية الحبيب المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أوصى على تعلم الفرائض فقد أخرج الدار قطني وابن ماجه من حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( تعلموا الفرائض وعلموها للناس فإنها نصف العلم وهو ينسى
وهو أول شئ ينزع من أمتي )) .

فحققوا عباد الله وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلموا أولادكم الفرائض وحثوهم على أدائها فهى كما قال صلى الله عليه وسلم هى نصف العلم .

أحبتي في الله ...
أكرر فأقول دافعوا عن سُنَة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ... فإن ما يدور من حولنا هو فتنة تقودنا إلى زمن الغربة حيث سيعود الإسلام غريبا كما بدأ غريبا ، وصدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلـم فى صحيحه عـن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء )) ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وليس معنى الغربة أن نركن إلى السكوت ونختبئ فقد بشرنا الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : ( فطوبى للغرباء ) ، فقد سئل فمن الغرباء يا رسول الله قال فى روايات عدة غير رواية مسلم وبألفاظ متعددة :
(( اللذين يصلحون إذا فسد الناس وقال في لفظ آخر : اللذين يصلحون ما أفسد الناس وفى لفظ قال : اللذين يحيون سُنتي ويعلمونها الناس وفى لفظ قال : اللذين يفرون بدينهم من الفتن )) هؤلاء هم الغرباء الذين يعملون على إحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد يسأل البعض عن معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم (( اللذين يفرون بدينهم من الفتن )) أقول أن القصد هو عدم الوقوع في براثن تلك الفتن وبذا يكون الفرار .

أحبتي في الله ...
تلك دعوة أوجهها لأصحاب العقول النيرة فما يحدث من هذه القلة المعوجة لابد ألا يجعلنا ننزلق في بئر الشتائم والسباب فإذا أردنا إصلاح الأمر وأن نكون ممن يصلحون إذا فسد الناس ، فليرد كل منا في موقعه بمقالات تشرح ما يدور من حولنا على انه من الأخبار التي اخبر بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعمل على نشر آراء علماء الأمة الأجلاء المعترف بهم في هذا من خلال ما يسجل من لقاءات معهم أو في خطبهم مكتوبة أو مسموعة ومرئية ولا تدعوا مجالا لهؤلاء لاستثمار طاقاتكم في حوارات فاشلة ومراء ظاهر الفشل ... ذلك لأنهم هم المستفيدون منها فانتم تجعلون لهم قاعدة يبنون عليها ما يريدون من نشر لسمومهم بين الشباب وأذكركم بأن وقف مثل ذلك الحوار لا يعد هروبا كما يزعمون واليكم الدليل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أنا زعيم بيت في الجنة لتارك المراء و لو كان محقا )) وقد جاء في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح ( طبعة احتفالية مئوية المملكة العربية السعودية ) تحت عنوان : (( فصل في نشر السنة بالقول و العمل بغير خصومة و لا عنف : (( سأل الإمامَ أحمدَ رجلٌ فقال أكون في المجلس فتذكر فيه السنة لا يعرفها غيري أفأتكلم بها فقال الإمامَ أحمد : (( أخبر بالسنة و لا تخاصم عليها .(( فأعاد عليه القول فقال ما أراك إلا رجلا مخاصما و هذا المعنى قاله الإمامَ مالك - رضي الله عنه –
(( فإنه أمر بالإخبار بالسنة وقال فإن لم يُقبل منك فاسكت ))

وقال الله تعالى {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال46
فإما أن يتغير منهج الحوار و إلا فالسكوت أولى كما قال الإمامان أحمد ومالك.

هذا ما رأيناه عرضناه على شبابنا وأخواننا وأخواتنا فسيروا على منهجكم ولا تجعلوا لتلك النبتة المعوجة إليكم سبيل .. إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله وعلى الله قصد السبيل ...